أميليا ماري إيرهارت (ولدت 24 يوليو 1897، فقدت 2 يوليو 1937، أعلن مقتلها 5 يناير 1939). كاتبة ورائدة متفوقة في الطيران الاميركي.[1][2] كانت إيرهارت أول امرأة تحصل على صليب الطيران الفخري، [3] نظرا لكونها أول امرأة تطير بمفردها عبر المحيط الأطلسي[4] حققت العديد من الأرقام القياسية الأخرى، [2] كتبت عن تجربتها في الطيران وحققت مبيعات كبيرة، وكان لها دور أساسي في إنشاء "التاسعة والتسعون"، وهي منظمة طيارين للسيدات.[5] انضمت إيرهارت إلى هيئة التدريس في الجامعة الشهيرة عالميا جامعة بوردو قسم الطيران في عام 1935، بوصفها عضو هيئة تدريس زائرا لتقديم النصح للنساء في مجالات العمل وإلهامهم نظرا لحبها للطيران.
أثناء محاولة للدوران حول الكرة الأرضية في عام 1937 باستخدام الطائرة لوكهيد ل-10 إلكترا بتمويل من جامعة بوردو، اختفت إيرهارت فوق وسط المحيط الهادئ قرب جزيرة هاولاند. لا تزال الألغاز عن حياتها وعملها وسبب اختفائها مستمرة حتى يومنا هذا.[
بداية حياتها[عدل]
طفولتها[عدل]
أميليا إيرهارت
اميليا ماري ايرهارت، ابنة صموئيل "ادوين" ستانتون إيرهارت (28 مارس 1867 - 1930) [7] واميليا "ايمي" اوتيس إيرهارت (1869 - 1962).[8] ولدت في أتشيسون بكانساس [9] في منزل جدها لأمها، ألفريد جديون اوتيس (1827 - 1912)، وهو قاض اتحادي سابق، ورئيس لبنك أتشيسن للادخار، ومواطن قائد في أتشيسون. لم يكن ألفريد اوتيس موافقا على زواج أمها من ادوين من البداية، كما كان غير راضٍ عن عمله بالمحاماة.
سميت أميليا، وفقا لتقاليد الأسرة، على اسم اثنتين من جداتها (اميليا جوزفين هاريس وماري ويلز باتون).[10] كانت اميليا تلقب في صغرها ب "ميلي" ذات شخصية قيادية؛ بينما أختها الصغرى جريس موريل ايرهارت (تصغرها بسنتين) كانت تلقب ب "بيدجى" وتمارس دور التابع المطيع. ظل يطلق على الفتاتين تلك الأسماء المستعارة طوال الطفولة حتى كبرتا.[10] كانت تربيتهم غير تقليدية فايمي إيرهارت لا تحب تنشئة أطفالها في قالب "فتاة صغيرة لطيفة." [11] فكانت الجدة للأم لا توافق على ارتداء أطفال ايمى للسراويل وعلى الرغم من أن اميليا تحب الحرية التي توفرها لهن، إلا أنها كانت على وعي بأن الفتيات الأخرىات في الحي لا تلبسن السراويل.
تأثرها المبكر بالطيران[عدل]
بدأت روح المغامرة تظهر في أطفال إيرهارت من خلال المحاولات اليومية لاستكشاف المناطق المجاورة لهم.[12] كانت اميليا أثناء طفولتها تمضى ساعات طويلة تلعب مع بيدجى، وتتسلق الأشجار وتصيد الفئران بالبندقية وتتزلج. على الرغم من أن حب اللعب في الهواء الطلق وكذلك الألعاب العنيفة كانت شائعة في كثير من الأطفال، إلا أن بعض كتاب السيرة وصفوا اميليا في صغرها بأنها كانت تميل لألعاب الصبيان [13] فكانت الفتيات عندما تخرج في نزهة تجمع الديدان والفراشات والحشرات والضفادع. في عام 1904، صنعت اميليا سلم طائرة يدويا بمساعدة عمها، بعدما رأت المزلجة الحلزونية أثناء رحلتها إلى سانت لويس واحتفظت بها فوق سطح غرفة التخزين في حديقة المنزل. انتهت أول رحلة موثقة لاميليا بطريقة مثيرة. عندما خرجت من صندوق خشبي مكسور كان يستخدم في التزلج مع كدمات في شفتيها، وثوبها ممزق لكن مع "شعور بالبهجة". وقالت لبيدجى: هذا يشبه الطيران!" [14]
في عام 1907 أدى عمل ادوين إيرهارت بوظيفة ضابط المطالبات قي السكة الحديد بجزيرة روك إلى انتقاله إلى ديس موينس بولاية ايوا على الرغم من وجود بعض الأخطاء في حياته المهنية. في العام التالي عندما كانت اميليا في العاشرة من عمرها، [15] رأت طائرة للمرة الأولى في ولاية ايوا في ديس موينس. شجعها والدها على القيام برحلة هي وشقيقتها على متن الطائرة. نظرة واحدة للسيارة القديمة "فليفر" كان كافيا لاميليا (ميلي) التي سألت على الفور ما إذا كان بإمكانهم العودة لركوب دوامة الخيل.[16] وصفت في وقت لاحق الطائرة ذات الجناحين بأنها "شيء غير ممتع من الاسلاك والخشب." [17]
تعليمها[عدل]
بقيت الشقيقتان أميليا وموريل (أصبحت تعرف باسمها الثاني منذ المراهقة) مع أجدادهن في أتشيسن، في حين انتقل والداهما إلى ديس موينس. خلال هذه الفترة، تلقت اميليا وشقيقتها شكلا من أشكال التعليم المدرسي في المنزل على يد والدتها والمربية. قالت في وقت لاحق أنها كانت "مولعة بالقراءة للغاية" [18]، وكانت تمضى ساعات لا تحصى في مكتبة الأسرة الكبيرة. في عام 1909، اجتمع شمل الأسرة في دي موين أخيرا، والتحق الأطفال بالمدارس العامة لأول مرة، والتحقت اميليا بالصف السابع في سن 12 عاما.
ثروة الأسرة[عدل]
تحسن المستوى المالي للعائلة كثيرا حيث اشتروا منزلا جديدا وعينوا اثنين من الخدم، ولكن سرعان ما أصبح ادوين مدمنا على الكحول. بعد مرور خمس سنوات (في 1914) اضطر للتقاعد، وعلى الرغم من أنه حاول إعادة تأهيل نفسه بالعلاج، إلا أنه لم يتمكن أبدا من العودة للعمل بالسكة الحديد بجزيرة روك. أثناء ذلك توفيت اميليا اوتيس جدة اميليا فجأة، وتركت تركة كبيرة وضعت في حصة ابنتها خوفا من أن إدمان إدوين من شأنه أن يستنزف الأموال. بيع منزل اوتيس وكافة محتوياته في المزاد العلني؛ حزنت اميليا لذلك حيث اعتبرت ما حدث نهاية لطفولتها.[19]
في عام 1915، بعد بحث طويل وجد والد اميليا عملاً كموظف في السكة الحديد الشمالية العظمى في سانت بول بولاية مينيسوتا، حيث دخلت اميليا المدرسة الثانوية المركزية في سن صغيرة. طلب إدوين نقله إلى سبرينجفيلد بولاية ميسوري، في عام 1915 ولكن ضابط المطالبات الحالي أعاد النظر في قرار تقاعده وطالب بعودته لوظيفته، تاركا إيرهارت الكبرى بدون مكان تذهب إليه. لمواجهة هذه النكبة الثانية، اصطحبت ايمي إيرهارت أطفالها إلى شيكاغو وعاشوا مع أصدقائهم. وضعت اميليا لنفسها شرطا غير عادي في اختيار مدرستها، حيث بحثت بين المدارس الثانوية في مدينة شيكاغو لإيجاد أفضل برنامج للعلوم. ورفضت الالتحاق بالمدرسة الثانوية القريبة من منزلها نظرا لأن مختبر الكيمياء بها كان على حد وصفها "تماما مثل بالوعة المطبخ." [20] في نهاية المطاف التحقت بمدرسة هايد بارك الثانوية لكنها قضت فصلا دراسيا بائسا حين وصفها الكتاب السنوى "بالفتاة التي ترتدى اللون البني وتمشي وحدها." [21]
تخرجت اميليا من مدرسة هايد بارك الثانوية في عام 1916. طوال طفولتها المضطربة، كانت اميليا تتطلع إلى مهنة المستقبل؛ وكانت تحتفظ بقصاصات من الصحف حول نجاح المرأة في المجالات التي يسيطر عليها الرجال، بما في ذلك مجالات السينما والإنتاج، والقانون، والإعلان، والإدارة والهندسة الميكانيكية.[15] ثم التحقت ب junior college في مدرسة اوجونتز في ريدال، ولاية بنسلفانيا لكنها لم تكمل البرنامج.[22]
خلال عطلة عيد الميلاد في عام 1917، زارت أختها في تورونتو. كانت الحرب العالمية الأولى مشتعلة حينها، ورأت إيرهارت عودة الجنود المصابين. بعد تدريبها على التمريض في الصليب الأحمر، بدأت العمل مع مجموعة المتطوعين بمستشفى سبادينا العسكري. شملت مهامها إعداد الطعام للمرضى الذين يحتاجون وجبات خاصة وتوزيع الدواء على مرضى المستشفى.[23]
وباء الإنفلونزا الإسبانية سنة 1918[عدل]
عندما ظهر وباء الانفلونزا الأسبانية في سنة 1918 في تورونتو، كانت اميليا تفوم بمهام شاقة في التمريض والنوبات الليلية في مستشفى بادينا العسكري.[24][25] حتى مرضت هي أيضا بالالتهاب الرئوي والتهاب الجيوب الأنفية.[24] دخلت المستشفى في أوائل نوفمبر / تشرين الثاني 1918 بسبب الالتهاب الرئوي وخرجت في ديسمبر / كانون الأول عام 1918، بعد شهرين من المرض.[24] كانت أعراض المرض مؤلمة وتسببت في ضغط حول إحدى عينيها، فضلاً عن المخاط الغزير الذي كان يسيل من خلال فتحات الأنف والحنجرة.[26] في المستشفى في عصر ما قبل المضادات الحيوية، كانت تجرى عمليات صغيرة لكنها مؤلمة لغسل الجيوب الأنفية المتضررة، [24][25][26] ولكن هذه الإجراءات لم تكن ناجحة وعانت إيرهارت من صداع شديد. ظلت في فترة النقاهة ما يقرب من عام أمضته في منزل شقيقتها في نورثهامبتون، بماساشوستس.[25] أمضت الوقت في قراءة الشعر، وتعلم العزف على البانجو، ودراسة الميكانيكا.[24] أثر التهاب الجيوب الأنفية المزمن على إيرهارت تأثيرا كبيرا أثناء الطيران وأنشطة الحياة العادية، [26] حتى أنها كانت تضطر أحياناً لارتداء ضمادة على خدها لتغطية أنبوب التصريف الصغير عند الطيران.[27]
تجارب الطيران المبكرة[عدل]
خلال هذه الأثناء، زارت إيرهارت المعرض الجوي الذي عقد بالتزامن مع المعرض الوطني الكندي في تورنتو بصحبة صديقتها. كان أحد الأحداث الهامة في ذلك اليوم، وجود معرض للطيران للحرب العالمية الأولى.[28] كان الطيار ينظر إلى إيرهارت وصديقتها، حيث كانتا تُشاهدان من مكان معزول وهبط باتجاههما. قالت ايرهارت، "انا متأكدة من أنه قال لنفسه، شاهدني أجعلهما تفران". شعرت ايرهارت بمزيج من الخوف والبهجة. فعندما اقتربت الطائرة، استيقظ شيء بداخلها. وقالت "لم أفهم ذلك حينها"، "لكنني أعتقد أن الطائرة الصغيرة الحمراء قالت لي شيئا." [29]
بحلول العام 1919، استعدت إيرهارت للالتحاق بكلية سميث ولكنها غيرت رأيها والتحقت بجامعة كولومبيا واشتركت في دورة دراسية في الدراسات الطبية من بين برامج أخرى.[30] ولكنها توقفت بعد عام واحد لتلحق بوالديها الذين اجتمع شملهما في ولاية كاليفورنيا.
في لونج بيتش، 28 ديسمبر 1920، زارت هي ووالدها مهبطاً للطائرات حيث قابلت فرانك هوكس (الذي اشتهر لاحقا في سباقات الطائرات) وعرض عليها ركوب الطائرة مما غير حياتها إلى الأبد. وقالت "ارتفعت حينها مسافة مئتين أو ثلاثمئة قدم عن الأرض"، "أدركت حينها أنه عليّ تعلم الطيران." [31] بعد تلك الرحلة التي استغرقت 10 دقائق (والتي كلفت والدها 10 دولارات)، قررت على الفور تعلم الطيران. عملت في مجموعة متنوعة من الوظائف، فعملت مصورة، وسائقة شاحنة وكاتبة اختزال في شركة الهاتف المحلية كي توفر 1،000 دولار لدروس الطيران. بدأت إيرهارت الدروس 3 يناير 1921 في كينر فيلد بالقرب من لونج بيتش، ولكن كي تصل للمطار كانت تستقل حافلة إلى نهاية الخط ثم تسير أربعة أميال (6 كلم). كما وفرت والدة اميليا جزءا من حصة ال 1،000 دولار.[32] كانت معلمتها أنيتا "نيتا" سنوك، رائدة طيار استخدمت الطائرة surplus Curtiss JN-4 "كانوك" في التدريب. جاءت اميليا مع والدها وكان لديها طلب واحد هو: "أريد تعلم الطيران. هل ستعلمينني؟ [33]
التزام اميليا بتعلم الطيران تطلب منها الكثير من العمل الشاق وتحمل الظروف الصعبة باعتبارها مبتدئة. اختارت سترة جلدية ولكنها تدرك أن الطيارين الأخرين سيحكمون عليها، ونامت بها لمدة ثلاث ليال لاعطائها مظهرا باليا. لاستكمال تغيير صورتها، قصت شعرها على غرار الطيارين النساء الأخريات.[34] بعد ستة أشهر اشترت اميليا طائرة Kinner Airster ذات السطحين وكانت مستعملة وصفراء زاهية أطلقت عليها اسم "الكناري". يوم 22 أكتوبر 1922، حلقت إيرهارت بطائرتها Airster 14,000 قدم (4,300 م)، محققة رقما قياسيا عالميا جديدا للطيارين من الإناث. في 15 مايو 1923، أصبحت إيرهارت المرأة رقم 16 في العالم التي تصدر رخصة قيادة طائرة (#6017) [35] من الاتحاد الدولي للطيران.[36]
العمل في مجال الطيران والزواج:
بوسطن[عدل]
وصفتها صحيفة بوسطن غلوب بأنها "واحدة من أفضل الطيارين النساء في الولايات المتحدة " لكن هذا الوصف اختلف عليه خبراء الطيران والطيارون من ذوي الخبرة في العقود التالية.[37][38][39] تميزت اميليا بالذكاء والكفاءة في العمل،[35] لكن على الرغم من ذلك وصف بعض الطيارين الأكثر تمرسا [40] جهودها المبكرة بأنها كانت غير كافية. وقعت أحد الحسابات الخاطئة الخطيرة أثناء محاولة تسجيل الرقم القياسي وانتهت بسقوطها من بين السحاب. 3,000 قدم (910 م) فلامها الطيارون ذوو الخبرة، "هل من المفترض أن يتقارب السحاب حتى يلمس الأرض؟" [41] حزنت إيرهارت حيث شعرت أن قدراتها في الطيران محدودة، لكنها سعت للحصول على مساعدة مختلف المدربين في المجال.[42] بحلول عام 1927، "من دون أي حادث خطير، واصلت الطيران لما يقرب من 500 ساعة بمفردها وهو إنجاز جدير بالاحترام." [43]
طوال هذه الفترة، كان ميراث جدتها-الذي كانت أمها تتولى تدبيره- يتناقص حتى نفد تماما بعد كارثة الاستثمار الفاشل في منجم للجبس. وبالتالي لم تتمكن من تغطية استثماراتها في الطيران، فباعت "الكناري" فضلا عن Kinner الثانية واشترت عربة كيسل "Speedster" صفراء لراكبين، وأطلقت عليها "يلو بيرل". عاودت إيرهارت مشكلتها القديمة مع الجيوب الأنفية وتفاقمت في أوائل عام 1924 حتى دخلت المستشفى لإجراء عملية جراحية ولكن للمرة الثانية لم تكن العملية ناجحة. بعد محاولة إنشائها لمشاريع جديدة بما في ذلك إنشاء شركة للتصوير الفوتوغرافي، اتجهت أميليا في اتجاه جديد.[44] بعد طلاق والديها في عام 1924 أخذت والدتها في سيارتها "يلو بيرل" في رحلة عابرة للقارات من ولاية كاليفورنيا وتوقفت في جميع أنحاء الغرب، بالإضافة إلى رحلة قصيرة إلى كالجاري وألبرتا. توقفت هذه الجولة في بوسطن، ماساشوستس، حيث خضعت اميليا لإجراء عملية أخرى للجيوب الأنفية ولكن هذه المرة كانت أكثر نجاحا. بعد أن تعافت عادت لجامعة كولومبيا لعدة أشهر، لكنها اضطرت إلى التخلي عن دراساتها وخططها للانضمام لمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا لأن والدتها لم تعد تستطيع تحمل الرسوم الدراسية والتكاليف المرتبطة بها. بعد فترة وجيزة وجدت أول عمل لها كمدرسة ثم أخصائية اجتماعية في عام 1925 في دينيسون هاوس، وعاشت في ميدفورد بماساشوستس.[45]
عندما عاشت في ميدفورد التحقت بمطار دينيسون (محطة سكوانتم الجوية البحرية لاحقا) في كوينسي، ماساتشوستس، وساعدت في تمويله. حلقت في أول رحلة رسمية من مطار دينيسون عام 1927.[46]
استمر اهتمام إيرهارت بالطيران حتى أصبحت عضوا في جمعية الطيران الاميركية في بوسطن ثم تم انتخابها نائبا للرئيس. استثمرت مبلغا صغيرا من المال في مطار دينيسون، كما عملت مندوبا لمبيعات طائرات Kinner في بوسطن.